الرعاة عنصر حاسم ولكنه مهمل في سياسة الحفظ والبيئة والبرمجة. إن الطقس المتقلب والجفاف الذي طال أمده، والذي يتخلله زيادة في الهطول المطري في بعض المناطق، يجعل الترحال الرعوي أكثر خطورة واضطراباً، وهذا لا يعتبر تحدياً جديداً بشكل أساسي – فالرعي المتنقل هو نظام مناسب بشكل خاص للتعامل مع التقلبات البيئية وندرة المياه والمراعي. ومع ذلك، فإن التصحر المتزايد في منطقة الساحل، وتآكل التربة والضغوط الأخرى طويلة الأمد تجعل سبل العيش الرعوية أكثر صعوبة بمرور الوقت. ومع ارتفاع عدد الماشية الإجمالي لاستيعاب الطلب، سوف تسنح الفرصة لقطعان أكبر للاستفادة من الأراضي المشتركة بسرعة. ومع ذلك، فإن بعض الاستراتيجيات قصيرة الأمد والخاصة بمساعدة سكان الريف على التكيف مع ندرة الموارد والطقس المتقلب قد تثير التوترات. لذا فإن تعزيز المرونة من خلال تنويع سبل العيش (مثل الزراعة وصيد الأسماك) يعتبر نهجاً شائعاً، ولكن حتى هذا قد يخلق المنافسة والنزاع على مستوى المجتمع.
قد يكون الرعاة حلفاء طبيعيين في الحفاظ على البيئة. وغالباً ما يُنظر إلى الرعي المتكيف والمرن على أنه نظام أقل تدميراً للإنتاج الحيواني. إذ أنه يتجنب تدهور الأراضي من خلال عدم تركيز القطعان في مواقع فردية لفترات طويلة، مما يؤدي إلى استنفاد الموارد المحيطة. وقد يقلل الرعي أيضاً من ظهور أو انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ التي تنتشر بشكل أسرع في مواقع الإنتاج الحيواني المركزة.
ومع ذلك، يجب الاعتراف بالعواقب البيئية للرعي جنباً إلى جنب مع وعودها وإمكانياتها، فحين تكون القطعان الرعوية بعيدة عن الخدمات البيطرية، يمكن أن تصبح ناقلات للأمراض الناشئة عن الحياة البرية أو العكس. ففي العديد من المناطق المحمية، مثل حديقة زاكوما الوطنية (تشاد) ومحمية شينكو (جمهورية إفريقيا الوسطى ومحمية دبليو بنجاري للمحيط الحيوي (بنين، بوركينا فاسو، النيجر)، ينخرط الرعاة أحياناً في الصيد الجائر أو الاتجار بمنتجات الحياة البرية (مثل العاج). ونتيجة لذلك، يعامل بعض دعاة الحفاظ على البيئة الرعاة على أنهم أعداء لا حلفاء.
إن تحديد المراعي كمناطق محمية قد يحد من الوصول الرعوي إلى طرق الرعي والهجرة. وتتطلب الموازنة بين هذه المصالح المتضاربة دراسة أوثق للأدوار الإيجابية منها والسلبية، والتي يلعبها الرعاة في منطقة تثير نقاط ضعفها البيئية اهتماماً عالمياً.
تستضيف العديد من المسطحات الخضراء القاحلة الماشية والحياة البرية المعرضة للخطر على حد سواء، حيث يسافر الرعاة عبر هذه الأراضي أثناء هجرتهم، مما قد يخل بتوازن النظم البيئية الهشة ويشكل خطراً على الأنواع المهددة بالانقراض. وحتى داخل الأراضي المحمية رسمياً، قد يكون لسلطات الدولة أو منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية الحياة البرية قدرة محدودة على إنفاذ القواعد المفروضة على استخدام الأراضي أو الفصل في المصالح المتنافسة من الرعاة ومديري المنتزهات. كما ويعتمد الرعاة في بعض المناطق على الوصول إلى الأراضي المحمية للحصول على الموارد أو التهرب من الجماعات المسلحة. وقد تؤدي الجهود المبذولة لمنع الرعاة من الوصول إلى هذه الأراضي (التسييج، وحراس المنتزهات، وما إلى ذلك) إلى تصعيد التوترات دون توفير حل عملي بالضرورة. وبدلاً من ذلك، يجب أن تبحث التدخلات الخارجية عن حلول مرضية لكافة الأطراف، مثل نماذج الإدارة التشاركية حيث يحافظ الرعاة على محدودية الوصول ويشاركون في صنع القرار المحلي.
تتداخل طرق الهجرة الرعوية في الساحل السوداني بانتظام مع المناطق المحمية. يظهر هنا خريطة للمناطق المحمية في منطقة الساحل السوداني البيئية. مصدر الخريطة: ماثيو لويزا/ المؤسسة الأمريكية للأسماك والحياة البرية (USFWS)

في كينيا، تبنى صندوق الاستئمان للمراعي الشمالية نهجاً لإدارة محميات الحياة البرية يعطي الأولوية لبناء شراكات مع الرعاة المحليين ودعم سبل عيش الرعاة. حيث يتخذ الصندوق خطوات لبناء علاقات حسنة النية مع المجتمعات الرعوية التي تعمل في المحميات من خلال العمل كوسيط في شراء الماشية بأسعار ثابتة ونقلها إلى السوق. يمكّن هذا الصندوق القادة المحليين من تنفيذ الممارسات الإدارية التشاركية الفعالة.
في محمية البوابة الغربية، على سبيل المثال، اعتبرت ممارسة السماح للماشية بالرعي بحرية كعامل مساهم في التدهور البيئي للأراضي العشبية، حيث اقترح القادة المحليون مخططاً بديلاً للرعي على غرار الإراحة في الزراعة، حيث تجمع القطعان في منطقة واحدة في كل مرة، مما يسمح للمناطق المجاورة بالتعافي.
أدى تقلب الطقس والجفاف والعواصف المترافقة مع التغير المناخي بشكل متزايد إلى استثمارات كبيرة في سبل العيش الريفية القادرة على الصمود والإنتاج الغذائي المستدام. كما ويمكن لمثل هذه الاستثمارات أن تساعد سكان الريف على تلافي النقص الحاد في الغذاء، وتقلل الاقتصادات غير المشروعة إلى الحد الأدنى، وأن تساعد في التكيف مع الضغوط البيئية الجديدة. ومع ذلك، يمكن لهذه البرامج أيضاً أن تعزز بشكل غير مقصود مصادر النزاع بين الرعاة والمجتمعات الريفية المستقرة. فالاستثمارات في توسيع الأراضي المستخدمة للزراعة، على سبيل المثال، يمكن أن تشجع المزارعين على الضلوع في ممرات الهجرة الرعوية.
إن برامج تشجيع الرعاة على تنويع سبل عيشهم – من خلال الزراعة أو صيد الأسماك أو غير ذلك من المهن- يمكن أن تغذي أشكالاً جديدة من المنافسة على الوصول إلى الأراضي أو المجاري المائية. وينبغي للتدخلات التي تركز على بناء سبل عيش ريفية مرنة أن تعطي الأولوية لمبادئ عدم الإضرار وحساسية النزاع في التصميم والتنفيذ، حتى في حالة غياب النزاع المسلح. (انظر أيضاً الوحدة الأولى – التنمية الريفية لمزيد من المعلومات حول تدخلات سبل المعيشة الريفية).

قد يكون الوصول إلى موارد الرعي والمياه أمراً لا يمكن التنبؤ به في منطقة الساحل، خاصة وأن التغير المناخي يؤثر على أنماط الهطول المطري. حيث يظن البعض أن التكيف مع التغير المناخي قد ينطوي على تبني سبل عيش أقل عرضة لعدم الاستقرار، ولكن الجهود تبذل أيضاً لتحقيق الاستقرار في قدرة الرعاة على اتخاذ قرارات مستنيرة حول وجهة السفر بحثاً عن المراعي أو المياه. في مالي، قامت منظمة التنمية الهولندية (SNV) ومكتب الفضاء الهولندي بتطوير خدمة معلومات مخصصة للرعاة تعرف باسم GARBAL. حيث يوفر النظام للرعاة إمكانية الوصول إلى بيانات الأقمار الصناعية حول موارد الغذاء والمياه المتاحة على طول طرق الهجرة المختلفة والتي يمكن الوصول إليها من خلال خدمة الهاتف الجوال، والتي تنير قراراتهم حول وجهة السفر.
الصورة: ماشية تشرب في حفرة مياه في مالي. الائتمان: ليف بروتم
كثيراً ما يشير المسؤولون الحكوميون والنشطاء إلى العنف المرتبط بالرعي كمثال رئيسي على الحاجة إلى عمل عالمي بشأن التغير المناخي. وغالباً ما تكون حجتهم في ذلك أن النزاعات بين الرعاة والمزارعين تتزايد بسبب شحة الموارد بسبب الجفاف أو استنفاد الموارد المائية الهامة كما هو الحال في حوض بحيرة تشاد.
في حين أن للمناخ تأثير حقيقي على الثروة الحيوانية وإنتاج المحاصيل، فإن تأطير النزاع كنتيجة حتمية لظاهرة عالمية يبسط بشكل مفرط قضية معقدة ويحول التركيز بعيداً عن الحلول المحلية. إن العمل العالمي بشأن التغير المناخي أمر ضروري لمنطقة الساحل السوداني، ولكنه ليس شرطاً مسبقاً لمنع النزاع. يلعب المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام دوراً حاسماً في تأطير الحوار العام حول الرعي والمناخ ودفع الإجراءات طويلة المدى للتخفيف من تأثير التغير المناخي والإجراءات قصيرة المدى لمنع النزاع العنيف.